ياهو تراقب كروم: هل تهدف عملاقة الإنترنت السابقة للاستحواذ على متصفح جوجل؟

ياهو تراقب كروم: هل تهدف عملاقة الإنترنت السابقة للاستحواذ على متصفح جوجل؟

في تطور مفاجئ هزّ أركان عالم التكنولوجيا، أبدت شركة ياهو، عملاقة الإنترنت التي شهدت أيام مجدها في بدايات الويب، اهتمامًا جديًا بالاستحواذ على متصفح جوجل كروم. جاء هذا الإعلان وسط جلسات الاستماع في قضية مكافحة الاحتكار الكبرى التي تواجهها جوجل في الولايات المتحدة، حيث تقترح وزارة العدل الأمريكية إجبار جوجل على بيع متصفحها الشهير للحد من هيمنتها على سوق البحث. الخبر، الذي ربط ياهو بشركات مثل OpenAI في السباق المحتمل على كروم، أثار تساؤلات عديدة حول استراتيجية ياهو الحالية تحت ملكية شركة الأسهم الخاصة “أبولو جلوبال مانجمنت” ومدى واقعية طموحاتها في العودة للمنافسة في سوق تهيمن عليه جوجل بشكل شبه كامل. هل هذه مجرد مناورة استراتيجية أم بداية لعودة ياهو إلى ساحة اللاعبين الكبار؟ هذا المقال يغوص في تفاصيل هذا الاهتمام المفاجئ، ويحلل دوافع ياهو، والتحديات الهائلة التي تواجهها، والمشهد التنافسي لسوق المتصفحات، محاولًا استشراف مستقبل هذا الصراع الرقمي المحتمل وتأثيره على المستخدمين في العالم العربي وخارجه.


جذور الاهتمام المفاجئ: لماذا الآن؟ ولماذا كروم؟

لم يأتِ اهتمام ياهو بمتصفح كروم من فراغ، بل ارتبط بشكل مباشر بقضية مكافحة الاحتكار التي رفعتها وزارة العدل الأمريكية ضد جوجل. ترى الوزارة أن سيطرة جوجل على متصفح كروم، الأكثر استخدامًا عالميًا، تمنحها ميزة غير عادلة في سوق البحث عبر الإنترنت، حيث يُعد المتصفح “قناة توزيع محورية” توجه المستخدمين بشكل افتراضي إلى محرك بحث جوجل. طرحت الوزارة فكرة إجبار جوجل على بيع كروم كأحد الحلول المقترحة لإعادة التوازن للسوق.

في هذا السياق، ظهر اسم ياهو. خلال شهادته أمام المحكمة، كشف برايان بروفوست، المدير العام لمحرك بحث ياهو، ليس فقط عن اهتمام شركته بشراء كروم، بل وعن استعدادها لتقديم عرض مالي ضخم قد يصل إلى “عشرات المليارات من الدولارات”. وصف بروفوست متصفح كروم بأنه “ربما أهم لاعب استراتيجي على الويب”، مشيرًا إلى أن الاستحواذ عليه يمكن أن يرفع حصة ياهو المتواضعة في سوق البحث (حاليًا حوالي 3%) إلى “أرقام مزدوجة”.

هذا التصريح الجريء، المدعوم بقوة مالك ياهو “أبولو جلوبال مانجمنت”، وضع ياهو في دائرة الضوء كمنافس محتمل لشركات أخرى مثل OpenAI و Perplexity، اللتين أبدتا اهتمامًا مماثلًا. يبدو أن ياهو ترى في تفكيك محتمل لإمبراطورية جوجل فرصة ذهبية للعودة إلى الواجهة، مستغلةً الضغوط التنظيمية على منافستها التاريخية.


ياهو اليوم: الواقع والطموحات تحت مظلة “أبولو”

منذ استحواذ شركة الأسهم الخاصة “أبولو جلوبال مانجمنت” على ياهو (مع AOL) من شركة فيرايزون مقابل 5 مليارات دولار في عام 2021، شهدت الشركة محاولات لإعادة الهيكلة وتنشيط علامتها التجارية. لم تعد ياهو الشركة العملاقة التي كانت عليها في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، والتي رفضت عروض استحواذ مغرية من مايكروسوفت وحتى فرصة شراء جوجل نفسها في مراحلها الأولى.

اليوم، تركز ياهو على مجموعة من الخدمات الأساسية مثل البريد الإلكتروني (Yahoo Mail)، الأخبار (Yahoo News)، والمالية (Yahoo Finance)، والرياضة، بالإضافة إلى محرك البحث الذي يعتمد بشكل كبير على تقنيات من جوجل ومايكروسوفت. تمتلك الشركة قاعدة مستخدمين لا يستهان بها، تقدر بمئات الملايين عالميًا، لكن تأثيرها ونموها تضاءل بشكل كبير أمام عمالقة التكنولوجيا الحاليين.

كشف بروفوست في شهادته أن ياهو تعمل بالفعل “منذ الصيف الماضي” على تطوير “نموذج أولي” لمتصفح خاص بها، مدركة أن حوالي 60% من عمليات البحث تتم عبر المتصفحات. هذا يدل على أن الشركة كانت تفكر جديًا في دخول هذا المجال حتى قبل ظهور فرصة شراء كروم. يبدو أن استراتيجية “أبولو” تهدف إلى إيجاد مسارات نمو جديدة لياهو، والاستحواذ على متصفح جاهز ومهيمن مثل كروم يمثل اختصارًا هائلاً لهذه العملية، وإن كان محفوفًا بالتحديات.


هيمنة جوجل كروم: قلعة يصعب اختراقها (أو شراؤها)

الحديث عن شراء كروم يصطدم بواقع الهيمنة المطلقة لهذا المتصفح. يسيطر جوجل كروم على حصة سوقية تتجاوز 65% عالميًا على مختلف المنصات، متفوقًا بفارق شاسع عن أقرب منافسيه مثل سفاري (أبل)، وإيدج (مايكروسوفت)، وفايرفوكس (موزيلا). هذه الهيمنة ليست فقط بسبب جودة المتصفح نفسه، بل أيضًا بفضل تكامله العميق مع نظام أندرويد وخدمات جوجل الأخرى، بالإضافة إلى اتفاقيات التوزيع الضخمة التي تجعله المتصفح الافتراضي على العديد من الأجهزة.

إن عملية بيع كروم، حتى لو أمرت بها المحكمة، ستكون معقدة للغاية من الناحية التقنية والقانونية والمالية. تقديرات قيمة الصفقة بعشرات المليارات من الدولارات قد تكون مجرد بداية. سيتعين على المشتري المحتمل، سواء كان ياهو أو غيره، إثبات قدرته ليس فقط على دفع الثمن، بل وأيضًا على تشغيل وصيانة وتطوير متصفح بهذا الحجم والتعقيد بنفس الكفاءة التي تديره بها جوجل، ودون فرض رسوم على المستخدمين، وهو ما أثار شكوك القاضي نفسه في المحاكمة.

علاوة على ذلك، فإن مجرد نقل ملكية كروم قد لا يغير بالضرورة ديناميكيات السوق بشكل جذري إذا لم يتم تفكيك ارتباطاته العميقة بنظام جوجل البيئي. أي شركة تستحوذ على كروم ستواجه معركة شاقة للحفاظ على حصته السوقية في وجه المنافسة المحتدمة.


بدائل ياهو الواقعية: ما وراء حلم كروم

في حين أن شراء كروم يبدو طموحًا بعيد المنال، فإن اهتمام ياهو المعلن واستثمارها في تطوير متصفح خاص بها يشير إلى وجود استراتيجية أوسع نطاقًا. ما هي الخيارات الأخرى المتاحة أمام ياهو؟

  • تطوير متصفح متخصص (Niche Browser): بدلًا من منافسة كروم وجهًا لوجه، يمكن لياهو التركيز على تطوير متصفح يقدم ميزات فريدة تستهدف شرائح معينة من المستخدمين، ربما بالتركيز على الخصوصية، أو تكامل أعمق مع خدمات ياهو الإخبارية والمالية، أو تقديم تجربة بحث مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي (بالشراكة مع شركات أخرى).

  • الشراكات الاستراتيجية: يمكن لياهو عقد شراكات مع متصفحات قائمة أخرى (غير كروم) لتضمين محرك بحثها أو خدماتها بشكل أكثر بروزًا.

  • الاستحواذ على متصفحات أصغر: بدلًا من كروم، قد تبحث ياهو عن الاستحواذ على متصفحات أصغر حجمًا ولكنها تمتلك قاعدة مستخدمين مخلصين أو تقنيات مبتكرة.

  • التركيز على تطبيقات الهاتف المحمول: قد يكون الاستثمار الأكبر في تطبيقات الهاتف المحمول التي تدمج البحث والمحتوى والخدمات الأخرى مسارًا أكثر فعالية من محاولة بناء متصفح مكتبي جديد من الصفر. سبق لياهو إطلاق متصفح باسم “Axis” في الماضي لكنه لم يحقق نجاحًا يذكر.

شهادة بروفوست أشارت إلى أن ياهو تجري محادثات “مستمرة” مع شركات أخرى بشأن الاستحواذ على متصفح، مما يوحي بأن الشركة تستكشف خيارات متعددة بالتوازي.


الدروس المستفادة والمستقبل المحتمل

بغض النظر عن نتيجة قضية جوجل أو مصير متصفح كروم، فإن هذا التطور يسلط الضوء على عدة نقاط هامة:

  • ديناميكيات المنافسة الشديدة: سوق التكنولوجيا لا يرحم، وحتى الشركات العملاقة مثل جوجل تواجه ضغوطًا تنظيمية وتنافسية مستمرة.

  • أهمية المتصفحات كبوابات للويب: لا تزال المتصفحات تلعب دورًا حاسمًا في توجيه حركة المرور والتحكم في تجربة المستخدم عبر الإنترنت.

  • سعي الشركات القديمة للتجديد: تحاول شركات مثل ياهو، المدعومة برأس مال جديد، إيجاد طرق للعودة إلى المنافسة والتكيف مع المشهد الرقمي المتغير.

  • دور الذكاء الاصطناعي: اهتمام شركات مثل OpenAI و Perplexity بشراء كروم يؤكد على الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي في مستقبل البحث وتصفح الويب.

بالنسبة للمستخدمين في العالم العربي، قد يؤدي أي تغيير كبير في سوق المتصفحات إلى زيادة الخيارات المتاحة، ولكنه قد يتطلب أيضًا التكيف مع واجهات وتقنيات جديدة. الأهم هو أن تستمر المنافسة في دفع الابتكار وتحسين تجربة المستخدم للجميع.


الخاتمة 

إن إعلان ياهو عن استعدادها لشراء جوجل كروم يمثل تطورًا لافتًا في معركة مكافحة الاحتكار ضد جوجل، ويعكس طموحات الشركة، تحت قيادة “أبولو”، لاستعادة بعض من بريقها المفقود. ورغم أن احتمالية إتمام صفقة بهذا الحجم تبدو ضئيلة في ظل هيمنة كروم وتعقيدات البيع المحتمل، إلا أن مجرد طرح الفكرة، إلى جانب الكشف عن تطوير ياهو لمتصفح خاص بها، يشير إلى تحول استراتيجي جاد نحو إعادة الدخول إلى سوق المتصفحات.

هذه الخطوة، سواء تحققت أم لا، تذكرنا بالأهمية المحورية للمتصفحات كبوابات رئيسية للإنترنت وبديناميكيات المنافسة الشرسة في عالم التكنولوجيا. إنها تؤكد أن حتى اللاعبين الذين تراجعوا عن القمة يبحثون عن فرص للعودة، مستغلين التحولات في السوق والضغوط التنظيمية على المنافسين. المستقبل القريب قد لا يشهد استحواذ ياهو على كروم، ولكنه بالتأكيد سيشهد محاولات مستمرة من ياهو وغيرها لإيجاد موطئ قدم جديد في هذا الفضاء الرقمي الحيوي، مما قد يعود بالنفع على المستخدمين من خلال زيادة الخيارات وتحفيز الابتكار. يبقى السؤال: هل تملك ياهو الرؤية والموارد الكافية لتحقيق عودة حقيقية هذه المرة؟


الأسئلة الشائعة (FAQs) 

س1: هل من المحتمل حقًا أن تشتري ياهو متصفح جوجل كروم؟
ج: الاحتمالية ضعيفة جدًا حاليًا. يتوقف الأمر على قرار قضائي بإجبار جوجل على البيع، وهو أمر غير مؤكد، بالإضافة إلى تحديات مالية وتقنية وتشغيلية هائلة تواجه أي مشترٍ محتمل.

س2: لماذا أبدت ياهو اهتمامًا بشراء كروم الآن؟
ج: جاء الاهتمام كرد فعل على اقتراح وزارة العدل الأمريكية بإجبار جوجل على بيع كروم ضمن قضية مكافحة الاحتكار. ترى ياهو في ذلك فرصة لزيادة حصتها السوقية بشكل كبير.

س3: هل تعمل ياهو على متصفح خاص بها؟
ج: نعم، أكد مسؤول في ياهو أن الشركة تعمل على تطوير نموذج أولي لمتصفح خاص بها منذ صيف 2024، بغض النظر عن إمكانية شراء كروم.

س4: من هي الشركات الأخرى المهتمة بشراء كروم؟
ج: أبدت شركات الذكاء الاصطناعي OpenAI و Perplexity اهتمامًا مماثلًا بشراء كروم خلال جلسات المحكمة.

س5: ما تأثير هذا الاهتمام على المستخدمين؟
ج: على المدى القصير، لا يوجد تأثير مباشر. لكن على المدى الطويل، إذا زادت المنافسة في سوق المتصفحات (سواء بشراء كروم أو بظهور متصفحات جديدة)، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من الخيارات والابتكار للمستخدمين.