في تحول لافت للأنظار في فبراير 2025، أعربت روسيا عن ترحيبها بما وصفته بـ”الموقف الأمريكي المتوازن” تجاه الأزمة الأوكرانية، وهو تطور يعكس تغيرات محتملة في ديناميكيات الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات. بدأت هذه الإشارات بعد تصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي لصالح قرار أمريكي يدعو إلى “سلام دائم” في أوكرانيا، دون الإشارة إلى وحدة أراضيها، ما أثار جدلاً واسعاً بين حلفاء الغرب. يأتي هذا في وقت تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوسط في إنهاء الحرب، بينما تحافظ روسيا على مكاسبها الميدانية.
للقارئ العربي، يحمل هذا الحدث أهمية كبيرة، إذ يؤثر على التوازنات الدولية، أسواق الطاقة، والاستقرار الإقليمي الذي تهتم به الدول العربية. في هذا المقال، سنستعرض خلفية هذا الترحيب الروسي، أسبابه، ردود الفعل الدولية، تداعياته على أوكرانيا، ومستقبل العلاقات الأمريكية-الروسية، مع تقديم تحليل معمق وأحدث البيانات حتى فبراير 2025.
خلفية الصراع وتطورات 2025
بدأت الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022، عندما أطلقت روسيا عملية عسكرية واسعة النطاق، معلنة أهدافها بـ”حماية مصالحها الأمنية” وضمان حياد أوكرانيا بعيداً عن حلف الناتو. بحلول 2025، وبعد ثلاث سنوات من القتال، سيطرت روسيا على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس، وفقاً لتقارير الجزيرة نت (24 فبراير 2025).
في الوقت نفسه، شهدت الولايات المتحدة تغييراً في سياستها مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025. وعد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب “خلال 24 ساعة”، وهو ما بدأت ملامحه تتضح مع بدء محادثات مباشرة مع روسيا، أبرزها لقاء الرياض في فبراير 2025 بين ترامب وبوتين، بحسب تقرير CNN Arabic (14 فبراير 2025). هذا النهج الأمريكي الجديد، الذي يركز على التفاوض بدلاً من التصعيد، هو ما أشادت به موسكو.
لماذا رحبت روسيا بالموقف الأمريكي؟
أعرب الكرملين، عبر المتحدث ديمتري بيسكوف، عن تقديره لتصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن على قرار يدعو للسلام دون شروط مسبقة مثل انسحاب روسيا من الأراضي المحتلة. ووصف بيسكوف هذا التحول بأنه “نهج متوازن”، مشيراً إلى أنه يفتح الباب لتعاون مستقبلي مع واشنطن (وكالة الأناضول، 25 فبراير 2025).
من وجهة نظر روسيا، يعكس هذا الموقف تراجعاً أمريكياً عن دعم أوكرانيا المطلق، خاصة بعد تصريحات ترامب التي اعتبر فيها استعادة كامل الأراضي الأوكرانية وانضمامها للناتو “غير واقعيين”. كما يأتي هذا الترحيب في سياق ضغوط اقتصادية وعسكرية على روسيا، حيث أدت العقوبات الغربية إلى ارتفاع التضخم إلى 9% وتباطؤ النمو الاقتصادي، بحسب BBC Arabic (2 يناير 2025). لذا، ترى موسكو في هذا الموقف فرصة لتخفيف العزلة الدولية دون التضحية بمكاسبها.
ردود الفعل الدولية: أوروبا وأوكرانيا
لم تكن ردود الفعل متسقة عالمياً. في أوروبا، أبدت دول مثل ألمانيا وفرنسا استياءها من النهج الأمريكي. المستشار الألماني أولاف شولتس رفض “سلاماً مفروضاً” على أوكرانيا، بينما اعتبر وزير الدفاع الألماني أن واشنطن قدمت “تنازلات” لموسكو قبل بدء المفاوضات (الجزيرة نت، 13 فبراير 2025). هذا الانقسام يعكس مخاوف أوروبية من تهميش دورها في المحادثات، خاصة مع استضافة السعودية للقاءات دون دعوة أوروبية، وفقاً لتقرير الجزيرة مباشر (20 فبراير 2025).
أما أوكرانيا، فقد عبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي عن قلقه من استبعاد بلاده من المفاوضات، محذراً من أن أي اتفاق دون مشاركة كييف “لن يكون موثوقاً” (X، حساب زيلينسكي، 18 فبراير 2025). كما أشار إلى أن روسيا قد تستغل أي هدنة لإعادة بناء قوتها، وهو ما أكده رئيس الاستخبارات الخارجية الأوكرانية أوليغ إيفاشينكو بقوله إن خطط روسيا تمتد حتى 2030 (الجزيرة نت، 24 فبراير 2025).
التداعيات على أوكرانيا والمنطقة
بالنسبة لأوكرانيا، قد يعني هذا التوجه الأمريكي نهاية الدعم العسكري الغربي الكبير، الذي بلغ 45 مليار دولار منذ 2022، وفقاً لتقرير أسباب (13 نوفمبر 2022). ترامب نفسه ألمح إلى تقليص المساعدات، قائلاً في مقابلة مع NBC إن أوكرانيا قد “تتلقى أقل” (11 ديسمبر 2024). هذا التحول قد يضعف موقف كييف في المفاوضات، خاصة مع تقدم روسيا في دونيتسك وسيطرتها على 2800 كيلومتر مربع في 2024 (الجزيرة نت، 30 ديسمبر 2024).
على الصعيد الإقليمي، يراقب العالم العربي هذه التطورات باهتمام، إذ تؤثر على أسعار النفط والغاز، التي ارتفعت بنسبة 15% منذ بدء الحرب بسبب العقوبات على روسيا، بحسب تقرير الاقتصادية (26 فبراير 2023). كما أن استقرار أوروبا يهم الدول العربية التي تربطها بها علاقات تجارية وسياسية.
مستقبل العلاقات الأمريكية-الروسية
تشير تصريحات الكرملين إلى رغبة في “تطبيع حقيقي” للعلاقات مع واشنطن، كما قال عضو الوفد الروسي يوري أوشاكوف (X، @mog_Russ، 18 فبراير 2025). قد يشمل ذلك مشاريع اقتصادية مشتركة، مثل تخفيف العقوبات أو التعاون في الطاقة، وهو ما يتماشى مع رؤية ترامب لإعادة روسيا إلى مجموعة السبع إذا انتهت الحرب (El Balad، 15 فبراير 2025).
لكن هذا التقارب يثير تساؤلات حول مدى استدامته، خاصة مع استمرار الخلافات حول سوريا وإيران، حيث وقّعت روسيا اتفاقية دفاع مشترك مع طهران في يناير 2025 (الجزيرة مباشر، 20 فبراير 2025). يبقى السؤال: هل سيكون هذا التوازن بداية لعهد جديد أم مجرد هدنة مؤقتة؟
الخاتمة
ترحيب روسيا بالموقف الأمريكي المتوازن في فبراير 2025 يمثل نقطة تحول محتملة في الحرب الأوكرانية، مع انعكاسات على السلام الدولي والاقتصاد العالمي. يعكس هذا التطور رغبة موسكو في تخفيف ضغوطها الاقتصادية والدبلوماسية، بينما يسعى ترامب لتحقيق وعده بحل الصراع بسرعة. لكن الانقسامات الأوروبية وقلق أوكرانيا تُظهر أن الطريق إلى السلام ليس مضموناً، وقد يتطلب تضحيات كبيرة من كييف.
للعالم العربي، يبقى استقرار أسواق الطاقة وعلاقاته مع الغرب وروسيا على المحك، مما يستدعي متابعة دقيقة لهذه التطورات. الدعوة هنا للقراء هي التفكير في كيف يمكن للدول العربية استغلال هذا التقارب لتعزيز مصالحها الاستراتيجية، سواء عبر الوساطة أو تعزيز التعاون الاقتصادي. المشهد الدولي يتغير، واليقظة مطلوبة لفهم تبعاته.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- س: لماذا رحبت روسيا بالموقف الأمريكي؟ ج: رأت روسيا في تصويت أمريكا على قرار سلام دون شروط مسبقة نهجاً متوازناً يخفف الضغط عليها ويفتح الباب للتفاوض.
- س: ما موقف أوكرانيا من هذا التطور؟ ج: عبرت عن قلقها من استبعادها من المفاوضات، محذرة من أن أي اتفاق دون مشاركتها قد لا يكون موثوقاً.
- س: كيف يؤثر ذلك على أوروبا؟ ج: أوروبا تشعر بالتهميش وتخشى أن يضعف هذا التوجه موقفها ضد روسيا، مما يهدد أمنها.
- س: هل سينتهي الصراع في 2025؟ ج: غير مؤكد؛ بعض الخبراء يرون نهاية قريبة عبر التفاوض، لكن آخرون يتوقعون استمراره حتى 2030 إذا لم تُحترم ضمانات الأطراف.
- س: ما تأثير ذلك على العالم العربي؟ ج: قد يؤثر على أسعار الطاقة والعلاقات التجارية مع أوروبا وروسيا، مما يتطلب متابعة حثيثة.